ليس هناك هر يصطاد إلى الله...

 

            كل ما نكتبه فنحن نتوجه به بالدرجة الأوى إلى الشعب التونسي، و خاصة إلى شريحة الشباب منه، و ذلك لمده بالمعطى و تنوير و مد قنوات الحوار و تجذيرها معه. كما نتوجه بما نكتبه أيضا إلى العقلاء و الموضوعيين من المثقفين و أصحاب الرأي في كل المجالات و خاصة في المجال السياسي، من أجل مدهم بالمعطى و تنويرهم بها، و خاصة من تنشيط حركية الحوار و التدافع معهم من أجل تجذير التعددية الفكرية و تعددية الخطاب و تقوية العقلية النقدية الخلاقة في المجتمع و إيجاد دينامكية إبداعية فيه. كما نتوجه بكتاباتنا في الأخير إلى التاريخ، أمين الذاكرة الجماعية لقومنا  و للبشرية كافة، حتى نتركها شهادة لنا و لغيرنا، أو علينا و على غيرنا. ذلك لأن الأقوال غير المدونة لا يحتفظ بها التاريخ و لا يعتمدها كحجة و دليل. و كل ما لا يترك أثرا مكتوبا أو مصورا أو مسجلا يموت بمرور الزمن و يبقى له أثر,

            في المدة الأخيرة اعتنى بعض الفرنسيين من اليسار و اليسار المتطرف بمعية أحد الدارسين و المتتبعين للحركات الإسلامية عموما و للحركة الإسلامية في بلادنا على وجه الخصوص، و كذلك للمعارضة و للساحة السياسية عموما في تونس، بتنظيم ندوة وطنيو أو لقاء عمل بين مختلف أطراف المعارضة التونسية. و قد قاموا على وضع برنامج اللقاء، و على تحديد قائمة الشخصيات التي يرغبون، حسب أهداف معينة واعية، في حضورها. كما حددوا تكاليف هذا اللقاء، و التي سوف لن تقل عن الأربعين أو الخمسين ألف دينار، متعهدين بتوفير المبلغ. و هذا العمل لا يمكن أن يكون عمل بر مطلقا لأنه لم يصدر عن أناس أبرار بقدر ما هو عمل مسموم مبيت مطلوب لأهداف خبيثة معينة و مطلوبة مسبقا. كما لا يمكن لهذا العمل أن يكتب له النجاح و ذلك لأسباب عدة نذكر منها، على سبيل التدليل و ليس على سبيل الحصر، ما يلي:

            أولا ـ مثل هذا العمل لا يمكن أن يقوم به إلا المعنيين به من أهل البلد و ليس غيرهم من الأجانب عن الوطن، فهو تماما مثل بيت الزوجة التي لا يمكن أن يدخله من الرجال الأجانب عن الزوجة دون أن يطعن في استقامتها و عفافها و وفائها لزوجها. فهذا العمل من هذا الجانب مطعون في شرعيته و في ولائه.ذلك أن أي شأن سياسي دقيق يهم الحكم و الحكام أو يهم المعارضة في بلد لا يجوز له أن يكون إلا من اختصاص أهل ذلك البلد و ليس من اختصاص غيرهم إلا إذا كان الطالبون لهذا العمل خونة تبعا للغير. ثم نحن نتساءل لماذا قيادات المعارضة لا يقومون بهذا العمل بأنفسهم دون الرجوع إلى الأجنبي؟ هل هو عمل صعب يتطلب مهارات و خبرات رفيعة و دقيقة لا يستطيع القيام بها إلا الأجنبي؟ أم هل نحن قوم لا ننقاد  لبعضنا و لا نسلموا لأبناء جلدتنا، و لا ننقاد و نسلم إلا للأجنبي و نحن أذلة؟ لماذا كل هذا الوهن و العجز؟ لماذا كل هذا التنافر من بعضنا و الحقد على بعضنا؟ هل هو قدرنا أن يأتي الأجنبي البعيد عنا و الحاقد علينا للتقريب و للمصالحة بيننا؟ أية ديمقراطية نستطيع تطبيقها في بلدنا و بعضنا يرفض البعض الآخر و يتجاهله بسبب خلافات حزبية أو إيديولوجية، و بعضنا يأتمن الأجنبي و يواليه و يطمئن إليه أكثر مما يطمئن لأخيه التونسي و يواليه و يطمئن إليه. قيل لي دون أن أطلب الحضور في أي وقت من الأوقات في هذا اللقاء، في معرض التدليل عن  عدم دعوتي لحضوره، أن حضوري يزعج البعض من اليسار و كذلك حركة النهضة نفسها و يمنعها من الحضور في اللقاء. تأمل في هذا المنطق الغريب و في هذا التصرف الأخرق يا شعب تونس و قل فيه قولتك، قولة الفصل. تأمل يا شباب تونس في هذا التصر و تعرف على ما ينتظرك من بعض قيادات هذه المعارضة من مصادرة و رفض و تكميم و منع و تجاوز و عدم اعتبار، و احزم أمرك أيها الشباب و حدد مواقفك و انخرط في النضال من أجلها قبل فوات الأوان و قبل أن يفرض عليك ما لا تريد.

            ثانيا ـ لقد بينت العديد التجارب الدامغة أن مثل هذا العمل لا يثمر أبدا و ذلك لأسباب عدة، نذكر منها. أولا لأنه عمل مورد تابع للأجنبي و موكول إليه، و قد أثبت التاريخ أن العمل المورد  و التابع لا يثمر و لا يؤتي أكله مهما كان مجاله، إقتصاديا كان أو سياسيا أو غيره. فالنبتة هي بنت تربتها و لا تنمو و تؤتي ثمارها و أكلها الطيب إلا فيها. فلقاء المعارضة الجزائرية، على سبيل المثال، الذي حصل برومة في شهر جانفي من سنة 1995، و الذي نظمته لها مجموعة من الكنسيين الإيطليين لم ينتج عنه شيئ و ذهب أثره هباء منثورا، و لم يبق منه إلا حادثة لا أثر لها سجلها التاريخ و ماتت على إثر مرور الزمن عليها. و نذكر كذلك، دائما على سبيل المثال، حادثة أخرى من هذا القبيل سجلها لنا التاريخ و التي كانت عواقبها في منتهى الخطورة، و مرارتها تتجاوز مرارة العجرم. و تتمثل هذه الحاثة في الكيفية التي التأمت بها ندوة المعارضة العراقية. لقد بقي أطراف هذه الأخيرة زمنا طويلا يرفضون التنازل لبعضهم بعضا من أجل اللقاء حول مائدة مستديرة تجمعهم بمبادرة ذاتية منهم من أجل الحوار حول وضعهم كمعارضة و كذلك من أجل الحديث حول وضع بلادهم و الاتفاق بينهم على خطة عمل مشتركة تخرجهم و تخرج بلدهم من الأزمة. و بقوا على هذا الحال من الرفض و التنافر و من عدم التسليم و الانقياد لبعضهم بعضا حتى قصدهم السيد الأمريكي و عرض عليهم خدماته المسمومة. فانصاعوا له أذلة صاغرين و قلوبهم تكاد تطير من صدورهم فرحا، و قبلوا مقالاته و وعوده الكاذبة و كأنها وحي من السماء. و لا يزال السيد الأمريكي بهم حتى استوعبهم في أخطبوط مخابراته. و لا يزالون هم به حتى أعطوه طائعين كل ما لديهم من معلومات و معطيات و أسرار حول بلدهم. فهم بذلك في حكم من خان الوطن خيانة عظمى و فتح أبواب كل الحصون أمام العدو الغزاة، فدخلوا البلاد دون أن يخسروا رصاصة واحدة. لقد خانت فعلا المعارضة العراقية وطنها و باعته للغازاة و قدمته له على طبق من ذهب، إلا أنها عجزت مع ذلك عن قبض ثمن خياتها. و ها هي جيوش أمريكا على أبواب بغداد. كل هذا يبين لنا بجلاء أن عملية تقرير المصير لا يمكن مطلقا أن تتم على طريق الأجنبي أبدا، و مهما تظاهر هذا الأجنبي بالتعاطف و المودة. ثانيا، مثل هذا العمل لا يثمر لأنه ليس مبنيا على الصدق و الإخلاص في النضال الوطني بقدر ما هو مبني على حسابات خسيسة من طرف هذا الجانب أو من طرف ذاك. فالجميع في مثل هذا العمل يبيت الكيد للجميع. و الجميع يجذب الغطاء لجانبه. و الأجنبي يجذب الغطاء لجانب حلفائه و من يحفظون له مصالحه في البلاد. فالذين يعدون لتنظيم  هذه الندوة الوطنية للمعارضة التونسية، بما أنهم من السيار و أقصى اليسار الفرنسي، قرروا أن يكون ثلاثة أرباع المساهمين في هذه الندوة من اليسار و أقصى اليسار في تونس، هذا اليسار في تونس الذي لا يمثل أكثر من ثلاث في المائة. أراد له المنظمون الأجانب أن يمثل في هذه الندوة المزعومة ما يزيد عن البعين في المائة، أي بثلاثة أرباع المشاركين فيها. و هذا التصرف لا يبرره إلا منطق اللا منطق و منطق التبعية المذلة. ثالثا و من جهة أخرى لا يمكن لمثل هذالعمل أن يكتب له النجاح لأنه عمل منبت عن الجماهير و مدبر من وراء ظهره و على حسابه. إن معظم الأطراف المزمع تشريكها في هذه الندوة هي أطراف منبتة عن الجماهير في انقطاع عام عنها، وهي بذلك لا تطمح أن تستمد منها شرعيتها، وهي بالتالي مضطرة إلى البحث عن شرعية لها مزيفة و مرفوضة من قبل الشعب، من الخارج. إن هذه الندوة المعروضة ليست وطنية كما يزعم و إنما هي تابعة للأجنبي ولا يليق بالمناضلين و الصامدين من الوطنيين أن يقبلوا بالمشاركة فيها، فذلك يدنسهم و يشكك في مصداقيتهم.

            ثالثا ـ إن هذه الندوة إذا قدر لها أن تنتظم فسيكون كل ما سيحصل فيها من مداولات و خلافات و قرارات و من قائمات لكل الحاضرين من نصيب أجهزة الاستعلامات الداخلية و خاصة الخارجية. ذلك لأنه هناك من بين المنظمين لهذا العمل المسموم شخص على الأقل نحسبه بشيء من اليقين من بعض أجهزة الاستعلامات و اختصاصه على ما يبدو هو العناية بالطبقة السياسية في تونس و جمع كل المعلومات عنها من أبسطها إلى أخطرها. و فعلا لقد تمكن هذا الشخص من اختراق الصفوف و من نسج علاقات واسعة في تونس، يصعب على أي مسؤول من مسؤولي المعارضة التونسية أن ينسج مثلها. فالملاحظ المنتبه يجده حاضرا في كل ملف من ملفات المعارضة التونسية.

و لما اعترضت شخصيا على تنظيم هذه الندوة راسني هذا الشخص إيلكترونيا و سبني و شتمني و هددني و كأنه المقيم العام الفرنسي للبلاد التونسية أيام الحماية الفرنسية و اتهمني بالعمالة للطاغية التونسي. فرددت على رسالته برسالة قلت له فيها لا أسمح لك مطلقا باستعمال هذا الأسلوب معي، و القضية هي تونسية صرفة، بين أطراف تونسية، فما دخلك فيها وافع عنها يدك، و لا يحق لك أن تتدخل فيها اللهم إذا طلبت الجنسية التونسية و أصبحت مواطنا تونسيا حرا. و قد قلت له هذ الكلام معتبرا إياه بشكل مقصود موجه له كلطمة حتى يذوق خساسة كيده و اسبلاهه و تطاوله على الآخرين. لقد نسي أو تجاهل صاحبنا أنني إنسان متمرد على الباطل مهما كان نوعه و مصدره، و متمرد على التقليد مهما كان نوعه و مجاله، ليس فقط على التقليد و الجمود في المجال الإسلامي فحسب، بل على التقليد و الجمود أينما وجد، و بالأساس إلى جانب المجال الإسلامي، في المجال السياسي. ذلك أنني أعتبر المجال السياسي من جهة الحكم و من جهة جزء لا يستهان به من المعارضة مجال موبوء و مسموم، لا يسوده إلا الجبن و الانحلال و النفاق و التعارف على الباطل و التعاون على أساسه و التعامل به بشكل معتاد و بدون استحياء و لا حرج و لا خجل. لقد آن الأوان للساحة السياسية في البلاد أن تطهر و تتغير جذريا. و قد اخترت هذا الطريق الصعب، متعرضا و مستهدفا لكيد و حقد هذه المعارضة الفوقية المريضة و المنهكة، مراهنا، بعد الله، على الشعب و خاصة على شريحة الشباب فيه وقدراته العظيمة و الخلاقة. فإما أن يمنحني الشعب ثقته و أعده أن أغير في اتجاه الأحسن و الأفضل و الأيسر على الجميع في كل المجالات في البلاد، و إما أن يحجب عني هذه القثة وهو صاحب الحق الأول و الأخير في ذلك، و أكون مع ذلك سعيدا و مطمئنا بشرف التبليغ و التنبيه و إحداث الرجة في العقول و البصائر و الأبصار. أما صاحبنا الفرنسي هذا الذي يريد توجيه المعارضة و التأثير في عملية تقرير المصير للشعب التونسي فسوف لن أذكر اسمه لاعتبارات معلومة لا تخفى على أحد، و من يعرفه فهو يعرفه و من لم يعرفه فهو يستطيع معرفته متى شاء بسهولة.

            رابعا ـ سبب آخر في منتهى الأهمية و الواقعية يترك هذه الندوة، حتى و إن حصلت، لا يمكن أن يكتب لها النجاح أبدا و لا يكون مصيرها إلا الفشل الذريع. و هذا السبب يتمثل في البون الشاسع الذي يفصل بين الأماني و الواقع. فالأماني تفرض، خاصة من طرف الوطنيين الصادقين و أصحاب النوايا الحسنة، أن تنتظم ندوة وطنية بين كل تنظيمات المعارضة، و أن ينتج على أساس تلك الندوة جبهة وطنية صلبة، تقوم بتقوية المسيرة النضالية و تضييق الخناق على السلطة المتعجرفة و الفاسدة إلى حد الإطاحة بها. و تقوم بإعداد البرامج لحكم البلاد بعـد سقوط السلطة، و تشكل حكومة ظل و تعلن عنها من أجل أن تتولى مهامها حينما تحين الفرصة. هذا من جانب الأماني و ما تأمل فيه النفوس الصادقة. أما من جهة الواقع فالأمر يختلف تماما و لا يزال مرا مرارة لا تحتمل، وهو على نقيض الأماني تماما. فالساحة السياسية في البلاد لا تزال تشكو من أمراض خطيرة و من جراح عميقة تنزفا دما و تستنزف كل الطاقات. فهذا محمد الشرفي، و شريحة واسعة من اليسار من ورائه، لا يزالون على تحجرهم و تزمتهم أكثر من ماركس و لينين و ستالين و ماو قبل موتهم، فكل العالم تغير إلا هم لم يتغيروا في حقدهم على الله و دينه و عباده المؤمنين، وبقوا مثلما كانوا دائما ليس لهم من هم إلى يوم الناس هذا إلا ضرب الإسلام و كل ما ينتسب إليه من فكر و ثقافة و سياسة و أشخاص. فهم في هذه المدة الأخيرة، على أساس من الكذب المفضوح و البهتان البين، أقاموا الدنيا و لم يقعدوها من أجل خطبة قام بها أحد الأئمة في البلاد منذ سنة تعرض فيها بالنقد الشديد المدعوم بالحجة و الدليل مثلما يلزم لكتا الشرفي "الإسلام و الحريرية... سوء التفاهم التاريخي"، محاولين بذلك تجنيد كل اليسار و اللائكيين الحاقدين على الدين و المتديينين من وراءهم. و هذا رأس السفاهة و البهتان و الفساد المسمى الطاهر بن حسين لا يكتفي بما بذره من بلبلة على أساس من الكذب و البهتان فيقول: إن مسألة الإمام خليف لم تنته. أي أنه ينوي المواصلة في كذبه و بهتانه و تضليله، مستعملا مع من اتبعهم من اليسار و العلمانيين الحاقدين و من البسطاء السذج المضللين، حادثة خطبة الإمام عبد الرحمان خليف لضرب الإسلام و الثقافة الأسلامية و قطاع الأئمة و الإسلاميين و كل ما يتصل بالإسلام في آن واحد. إلى جانب ذلك لم يستح هذا السفيه أن يتساءل و يطلب من حركة النهضة أن تجاريه و رهطه في كذبهم و بهتانهم، و تدين الشيخ عبد الرحمان خليف، و ذلك بغاية خبيثة ماكرة من طرفهم تتمثل في تفجير الصراع و التصادم و تبادل الاتهامات بين حركة النهضة و الشيخ خليف و قطاع الأئمة عموما، و بينها و بين بقية الإسلاميين في البلاد، و كذلك بين قيادتها و بين قواعدها الذين سينتقدونها بشدة إذا فعلت إلا أنها لن تفعل ما يريده هذا الثعلب النتن الماكر. هذا الشخص الخبيث بشهادة الأغلبية سيحضر الندوة المزمع عقدها، مصحوبا و مدعوما بعدد هائل من أنصاره و أنصار سيده محمد الشرفي. فمن يقدر أن يتصور كيف سيكون هذا المخلوق الشاذ متعاونا مع النهضة أو مع بقية الأسلاميين حول مائدة الحوار و تبادل الآراء؟

            من جهة أخرى  فحركة النهضة مهما بلغ تطورها و مرونتها وانفتاحها على الآخر، فنحن لا نحسب أنها ستقبل بتحديات اليسار المتطرف و تهجماته المتكررة على كل ما هو إسلام و إسلاميين، واستفزازاته المتعمدة. و سوف لن تستطيع الاتفاق معه على مائدة الحوار على شيء. و سيخرج أصحابها و ممثلي اليسار المتطرف متشنجي الأعصاب أكثر بكثير مما دخلوا به اللقاء. و ستتطور الحرب بين الطرفين بشكل خطير بعد اللقاء، خاصة من جهة اليسار المتطرف المعروف بكثرة استفزازاته و تعدياته الظالمة. كما يحسن التذكير هنا بأن حركة النهضة مهما بلغ تطورها في الانفتاح على الغير، من غير الإسلاميين، و الاعتراف به فقد بقيت شديدة الانغلاق عن الأطراف الإسلامية الأخرى في البلاد، متجاهلة وجودهم، مترفعة عنهم و كثيرة الاتهام لهم، محتكرة للساحة و الصفة الإسلامية. و سيساهم هذا التصرف من النهضة في تأزيم الوضع على الساحة الإسلامية في البلاد، ثم في إضعاف النهضة ذاتها و ربما في تلاشيها تماما. كما سيساهم ذلك في تلاشي صدقيتها في توجهها الديمقراطي وهو ترفض التعددية ضمن الساحة الإسلامية و تنتهج سياسة احتكارها.

            هذه مجرد أمثلة بسيطة جدا عرضناها للتدليل عن التأخر الشديد للواقع عن المثال. فبينما الجميع ينشد على مستوى الخطاب بحماس كبير أنشودة الديمقراطية، على مستوى الواقع مع الأسف الشديد تشتكي الساحة السياسية من افتقار كبير لأبسط السلوكيات و الممارسات و التربية الفعلية الديمقراطية. فكيف يمكن، مع هذا الوضع المرضي و المسموم الذي تعيشه المعارضة، لندوة "وطنية" للمعارضة أن تنجح و تخلف نتائج عملية مفيدة للبلاد؟

            و هكذا فالندوة الوطنية الحقة، ضمن هذا الوضع المرضي و دون أن نغالط و نوهم أنفسنا، تبقى أملا بعيدا و صعب المنال.

            ما هو البديل عن ذلك الندوة الوطنية ما دامت مستحيلة النجاح في الوضع الراهن ؟

            ليس هناك بديل آخر عن الندوة سوى التحالفات الجزئية بين أطراف متقاربة القناعات و مستعدة للعمل المشترك بينها دون مناورات و لا حسابات خسيسة و لا طعن في الظهر و لا أنانية و استغلال للآخر و لا تقديم و لا تضخيم للمصالح الشخصية المقيطة على حساب المصلحة الوطنية العليا. لهذا السبب فنحن دعونا إلى العمل الجبهوي بهذه الشروط، و ساندنا دعوة القاضي المتمرد المختار اليحياوي للعمل الجبهوي بهذه الشرط أيضا. فلا بد أن يتكون قطب سياسي معارض في البلاد، يكون متميزا عن غيره، من بقية أطراف المعارضة، بجديته و تجرده و ترفعه و في قربه بل و تلاحمه مع الجماهير، و كذلك في قربه من احترام شروط اللعبة الديمقراطية. يقوم بتحرير البلاد، و يسهر على حل مشاكله و على زرع التربية الديمقراطية في النفوس و تعميقها فيها.